سورة القصص - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


لما سمع موسى قول الله سبحانه: {فَذَانِكَ برهانان مِن رَّبِّك إلى فِرْعَوْنَ} طلب منه سبحانه أن يقوّي قلبه، فقال: {رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً} يعني القبطي الذي وكزه فقضى عليه {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} بها. {وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَاناً} لأنه كان في لسان موسى حبسة كما تقدّم بيانه، والفصاحة لغةً: الخلوص، يقال: فصح اللبن، وأفصح: فهو فصيح، أي خلص من الرغوة، ومنه فصح الرجل: جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية. وقيل: الفصيح: الذي ينطق، والأعجم: الذي لا ينطق. وأما في اصطلاح أهل البيان فالفصاحة: خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس. وفصاحة الكلام: خلوصه من ضعف التأليف، والتعقيد. وانتصاب {رِدْءاً} على الحال، والردء: المعين، من أردأته، أي أعنته، يقال: فلان ردء فلان: إذا كان ينصره، ويشدّ ظهره، ومنه قول الشاعر:
ألم تر أن أصرم كان ردئي *** وخير الناس في قلّ ومال
وحذفت الهمزة تخفيفاً في قراءة نافع، وأبي جعفر، ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم: أردى على المائة: إذا زاد عليها، فكان المعنى: أرسله معي زيادة في تصديقي، ومنه قول الشاعر:
وأسمر خطياً كأن كعوبه *** نوى القسب قد أردى ذراعاً على العشر
وروي البيت في الصحاح بلفظ قد أربى، والقسب: الصلب، وهو الثمر اليابس الذي يتفتت في الفم، وهو صلب النواة. {يُصَدّقُنِي} قرأ عاصم وحمزة: {يصدقني} بالرفع على الاستئناف، أو الصفة ل {ردءاً}، أو الحال من مفعول أرسله، وقرأ الباقون بالجزم على جواب الأمر، وقرأ أبي وزيد بن عليّ: {يصدقون} أي فرعون وملؤه {إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} إذا لم يكن معي هارون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة. {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي نقويك به، فشدّ العضد كناية عن التقوية، ويقال في دعاء الخير: شدّ الله عضدك، وفي ضدّه: فتّ الله في عضدك. قرأ الجمهور: {عضُدك} بفتح العين. وقرأ الحسين وزيد ابنا عليّ بضمها.
وروي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بضمة وسكون. وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما. {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} أي حجة وبرهاناً، أو تسلطاً عليه، وعلى قومه {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} بالأذى ولا يقدرون على غلبتكما بالحجة، و{بئاياتنا} متعلق بمحذوف، أي تمتنعان منهم بآياتنا، أو اذهبا بآياتنا. وقيل: الباء للقسم، وجوابه {يصلون} وما أضعف هذا القول.
وقال الأخفش وابن جرير: في الكلام تقديم، وتأخير، والتقدير: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} بآياتنا، وأوّل هذه الوجوه أولاها، وفي: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} تبشير لهما، وتقوية لقلوبهما.
{فَلَمَّا جَاءهُم موسى بئاياتنا بينات} البينات: الواضحات الدلالة، وقد تقدّم وجه إطلاق الآيات، وهي جمع على العصا، واليد في سورة طه {قَالُواْ مَا هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} أي مختلق مكذوب اختلقته من قبل نفسك {وَمَا سَمِعْنَا بهذا} الذي جئت به من دعوى النبوّة، أو ما سمعنا بهذا السحر {في آبَآئِنَا الأولين} أي كائناً، أو واقعاً في آبائنا الأوّلين.
{وَقَالَ موسى رَبّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بالهدى مِنْ عِندِهِ} يريد نفسه، وإنما جاء بهذه العبارة؛ لئلا يصرّح لهم بما يريده قبل أن يوضح لهم الحجة، والله أعلم. قرأ الجمهور: {وقال موسى} بالواو، وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن: {قال موسى} بلا واو، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة. وقرأ الكوفيون إلا عاصماً: {ومن يكون عاقبة الدار} بالتحتية على أن اسم يكون عاقبة الدار. والتذكير لوقوع الفصل؛ ولأنه تأنيث مجازي، وقرأ الباقون: {تكون} بالفوقية، وهي أوضح من القراءة الأولى، والمراد بالدار هنا: الدنيا، وعاقبتها: هي الدار الآخرة، والمعنى: لمن تكون له العاقبة المحمودة، والضمير في: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} للشأن أي: إن الشأن أنه لا يفلح الظالمون أي لا يفوزون بمطلب خير، ويجوز أن يكون المراد بعاقبة الدار خاتمة الخير.
وقال فرعون: {ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي}: تمسك اللعين بمجرّد الدعوى الباطلة مغالطة لقومه منه، وقد كان يعلم أنه ربه الله عزّ وجلّ، ثم رجع إلى تكبره، وتجبره، وإيهام قومه بكمال اقتداره فقال: {فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين} أي: اطبخ لي الطين حتى يصير آجرًّا {فاجعل لّي صَرْحاً} أي اجعل لي من هذا الطين الذي توقد عليه حتى يصير آجرًّا صرحاً، أي قصراً عالياً {لَّعَلّي أَطَّلِعُ إلى إله موسى} أي أصعد إليه {وَإِنّى لأظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} والطلوع والإطلاع واحد، يقال: طلع الجبل واطلع {واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} المراد بالأرض: أرض مصر، والاستكبار: التعظم بغير استحقاق، بل بالعدوان؛ لأنه لم يكن له حجة يدفع بها ما جاء به موسى، ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ} أي فرعون، وجنوده، والمراد بالرجوع البعث والمعاد. قرأ نافع، وشيبة وابن محيصن وحميد ويعقوب وحمزة والكسائي: {لاَ يَرْجِعُونَ} بفتح الياء وكسر الجيم مبنياً للفاعل. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الجيم مبنياً للمفعول، واختار القراءة الأولى أبو حاتم، واختار القراءة الثانية أبو عبيد.
{فأخذناه وَجُنُودَهُ} بعد أن عتوا في الكفر، وجاوزوا الحدّ فيه {فنبذناهم فِي اليم} أي طرحناهم في البحر، وقد تقدّم بيان الكلام في هذا {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أي انظر يا محمد كيف كان آخر أمر الكافرين حين صاروا إلى الهلاك؟ {وجعلناهم أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} أي صيرناهم رؤساء متبوعين مطاعين في الكافرين، فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادي فيه يدعون أتباعهم إلى النار؛ لأنهم اقتدوا وسلكوا طريقتهم تقليداً لهم.
وقيل: المعنى: إنه يأتمّ بهم أي: يعتبر بهم من جاء بعدهم، ويتعظ بما أصيبوا به، والأول أولى {وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ} أي لا ينصرهم أحد ولا يمنعهم مانع من عذاب الله {وأتبعناهم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً} أي: طرداً وإبعاداً، أو أمرنا العباد بلعنهم، فكل من ذكرهم لعنهم، والأوّل أولى. {وَيَوْمَ القيامة هُمْ مّنَ المقبوحين} المقبوح: المطرود المبعد.
وقال أبو عبيدة وابن كيسان: معناه: من المهلكين الممقوتين.
وقال أبو زيد: قبح الله فلاناً قبحاً وقبوحاً أبعده من كل خير. قال أبو عمرو: قبحت وجهه بالتخفيف بمعنى قبحت بالتشديد، ومثله قول الشاعر:
ألا قبح الله البراجم كلها *** وقبح يربوعاً وقبح دارما
وقيل: المقبوح المشوّه الخلقة، والعامل في يوم محذوف يفسره من المقبوحين، والتقدير: وقبحوا يوم القيامة. أو هو معطوف على موضع في هذه الدنيا، أي وأتبعناهم لعنة يوم القيامة، أو معطوف على لعنة على حذف مضاف، أي ولعنة يوم القيامة. {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب} يعني: التوراة {مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الأولى} أي: قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. وقيل: من بعد ما أهلكنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون. وانتصاب {بَصَائِرَ للنَّاسِ} على أنه مفعول له أو حال، أي آتيناه الكتاب لأجل يتبصر به الناس، أو حال كونه بصائر للناس يبصرون به الحق ويهتدون إليه وينقذون أنفسهم به من الضلالة بالاهتداء به. {وَرَحْمَةً} لهم من الله رحمهم بها {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} هذه النعم، فيشكرون الله، ويؤمنون به، ويجيبون داعيه إلى ما فيه خير لهم.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: {رِدْءاً يُصَدّقُنِي} كي يصدقني.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: لما قال فرعون {ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي} قال جبريل: يا ربّ طغى عبدك فائذن لي في هلكه، فقال: يا جبريل هو عبدي، ولن يسبقني، له أجل قد أجلته حتى يجيء ذلك الأجل، فلما قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} قال الله: يا جبريل سبقت دعوتك في عبدي وقد جاء أوان هلاكه.
وأخرج ابن مردويه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان قالهما فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي} وقوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24]» قال: «كان بينهما أربعون عاماً {فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى}» [النازعات: 25].
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: بلغني أن فرعون أوّل من طبخ الآجرّ.
وأخرجه ابن المنذر عن ابن جريج.
وأخرج البزار وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أهلك الله قوماً ولا قرناً ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة، ألم تر إلى قوله: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الأولى}» وأخرجه البزار وابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سعيد موقوفاً.


قوله: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي} هذا شروع في بيان إنزال القرآن، أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربيّ، فيكون من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، واختاره الزجاج.
وقال الكلبي: بجانب الوادي الغربيّ، أي حيث ناجى موسى ربه {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر} أي عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه {وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين} لذلك حتى تقف على حقيقته، وتحكيه من جهة نفسك. وإذا تقرّر أن الوقوف على تفاصيل تلك الأحوال لا يمكن أن يكون بالحضور عندها من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والمشاهدة لها منه، وانتفى بالأدلة الصحيحة أنه لم يتلقّ ذلك من غيره من البشر، ولا علمه معلم منهم كما قدّمنا تقريره، تبين أنه من عند الله سبحانه بوحي منه إلى رسوله بواسطة الملك النازل بذلك، فهذا الكلام هو على طريقة: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أقلامهم أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وقيل: معنى {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر}: إذ كلفناه وألزمناه. وقيل: أخبرناه أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم، ولا يستلزم نفي كونه بجانب الغربي نفي كونه من الشاهدين، لأنه يجوز أن يحضر ولا يشهد. قيل: المراد بالشاهدين: السبعون الذين اختارهم موسى للميقات.
{وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً} أي خلقنا أمماً بين زمانك يا محمد وزمان موسى {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر} طالت عليهم المهلة وتمادى عليهم الأمد فتغيرت الشرائع والأحكام وتنوسيت الأديان فتركوا أمر الله، ونسوا عهده، ومثله قوله سبحانه: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]، وقد استدلّ بهذا الكلام على أن الله سبحانه قد عهد إلى موسى عهوداً في محمد صلى الله عليه وسلم وفي الإيمان به فلما طال عليهم العمر، ومضت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود، وتركوا الوفاء بها {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ} أي مقيماً بينهم كما أقام موسى حتى تقرأ على أهل مكة خبرهم وتقصّ عليهم من جهة نفسك. يقال: ثوى يثوي ثواء وثويا فهو ثاوٍ. قال ذو الرمة:
لقد كان في حول ثواء ثويته *** تقضي لبانات ويسأم سائم
وقال العجاج:
فبات حيث يدخل الثوّى ***
يعني: الضيف المقيم.
وقال آخر:
طال الثواء على رسوم المنزل ***
{تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي تقرأ على أهل مدين آياتنا، وتتعلم منهم، وقيل: تذكرهم بالوعد والوعيد، والجملة في محل نصب على الحال أو خبر ثان، ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر، و{ثاوياً} حال. وجعلها الفراء مستأنفة كأنه قيل: وها أنت تتلو على أمتك {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} أي أرسلناك إلى أهل مكة، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها.
قال الزجاج: المعنى: أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، ولا تليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك وقصصناها عليك.
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل المسمى بالطور إذ نادينا موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين. وقيل: المنادى هو أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال وهب: وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد، وأمته قال: يا رب أرنيهم، فقال الله: إنك لن تدركهم، وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم، قال: بلى يا ربّ، فقال الله: يا أمة محمد، فأجابوا من أصلاب آبائهم، فيكون معنى الآية على هذا: ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى، فنادينا أمتك، وسيأتي ما يدلّ على هذا ويقوّيه ويرجحه في آخر البحث إن شاء الله {ولكن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ} أي ولكن فعلنا ذلك رحمة منا بكم، وقيل: ولكن أرسلنا بالقرآن رحمة لكم، وقيل: علمناك. وقيل: عرفناك. قال الأخفش: هو منصوب يعني: رحمة، على المصدر، أي ولكن رحمناك رحمة.
وقال الزجاج: هو مفعول من أجله، أي فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة. قال النحاس: أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك، ولكن بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة.
وقال الكسائي: هو خبر لكان مقدّرة، أي ولكن كان ذلك رحمة، وقرأ عيسى بن عمر، وأبو حيوة: {رحمة} بالرفع على تقدير: ولكن أنت رحمة.
وقال الكسائي: الرفع على أنها اسم كان المقدّرة، وهو بعيد إلاّ على تقدير أنها تامة، واللام في: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} متعلق بالفعل المقدّر على الاختلاف في تقديره. والقوم: هم أهل مكة، فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلى الله عليه وسلم، وجملة {ما أتاهم} إلخ، صفة ل {قوماً}، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي يتعظون بإنذارك.
{وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} لولا هذه هي الامتناعية، وأن وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء وجوابها محذوف. قال الزجاج: وتقديره: ما أرسلنا إليهم رسلاً: يعني: أن الحامل على إرسال الرسل هو إزاحة عللهم، فهو كقوله سبحانه: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165] وقدّره ابن عطية: لعاجلناهم بالعقوبة، ووافقه على هذا التقدير الواحدي فقال: والمعنى: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم، وقوله: {فَيَقُولُواْ} عطف على تصيبهم، ومن جملة ما هو في حيز لولا، أي فيقولوا: {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} ولولا هذه الثانية هي التحضيضية أي: هلا أرسلت إلينا رسولاً من عندك، وجوابها هو: {فَنَتَّبِعَ ءاياتك} وهو منصوب بإضمار أن لكونه جواباً للتحضيض، والمراد بالآيات: الآيات التنزيلية الظاهرة الواضحة، وإنما عطف القول على تصيبهم؛ لكونه هو السبب للإرسال، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها هي السبب لإرسال الرسل بواسطة القول: {وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} بهذه الآيات، ومعنى الآية: أنا لو عذبناهم لقالوا: طال العهد بالرسل، ولم يرسل الله إلينا رسولاً، ويظنون أن ذلك عذر لهم ولا عذر لهم بعد أن بلغتهم أخبار الرسل، ولكنا أكملنا الحجة وأزحنا العلة وأتممنا البيان بإرسالك يا محمد إليهم.
{فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ موسى} أي فلما جاء أهل مكة الحقّ من عند الله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل عليه من القرآن قالوا تعنتاً منهم وجدالاً بالباطل: هلا أوتي هذا الرسول مثل ما أوتي موسى من الآيات التي من جملتها التوراة المنزلة عليه جملة واحدة؟ فأجاب الله عليهم بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ} أي من قبل هذا القول، أو من قبل ظهور محمد؛ والمعنى: أنهم قد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد، وجملة: {قَالُواْ سِاحْرَانِ تظاهرا} مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم، وعنادهم، والمراد بقولهم: {ساحران} موسى ومحمد، والتظاهر: التعاون، أي تعاونا على السحر، والضمير في قوله: {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ} لكفار قريش، وقيل: هو لليهود، والأوّل أولى، فإن اليهود لا يصفون موسى بالسحر إنما يصفه بذلك كفار قريش وأمثالهم إلاّ أن يراد من أنكر نبوّة موسى كفرعون وقومه، فإنهم وصفوا موسى وهارون بالسحر، ولكنهم ليسوا من اليهود ويمكن أن يكون الضمير لمن كفر بموسى ومن كفر بمحمد، فإن الذين كفروا بموسى وصفوه بالسحر، والذين كفروا بمحمد وصفوه أيضاً بالسحر. وقيل: المعنى: أولم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبله بالبشارة بعيسى ومحمد. قرأ الجمهور: {ساحران} وقرأ الكوفيون: {سحران} يعنون التوراة والقرآن. وقيل: الإنجيل والقرآن. قال بالأوّل الفراء، وقال بالثاني أبو زيد. وقيل: إن الضمير في: {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ} لليهود، وأنهم عنوا بقولهم: {ساحران} عيسى ومحمداً. {وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلّ كافرون} أي بكلّ من موسى ومحمد، أو من موسى وهارون، أو من موسى وعيسى على اختلاف الأقوال، وهذا على قراءة الجمهور، وأما على القراءة الثانية فالمراد: التوراة والقرآن أو الإنجيل والقرآن. وفي هذه الجملة تقرير لما تقدّمها من وصف النبيين بالسحر، أو من وصف الكتابين به وتأكيد لذلك.
ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يقول لهم قولاً يظهر به عجزهم، فقال: {قُلْ فَأْتُواْ بكتاب مّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ} أي قل لهم يا محمد: فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن، و{أتبعه} جواب الأمر، وقد جزمه جمهور القراء لذلك. وقرأ زيد ابن عليّ برفع: {أَتَّبِعْهُ} على الاستئناف، أي فأنا أتبعه. قال الفراء: إنه على هذه القراءة صفة للكتاب، وفي هذا الكلام تهكم به.
وفيه أيضاً دليل على أن قراءة الكوفيين أقوى من قراءة الجمهور؛ لأنه رجع الكلام إلى الكتابين لا إلى الرسولين، ومعنى {إِن كُنتُمْ صادقين}: إن كنتم فيما وصفتم به الرسولين أو الكتابين صادقين. {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ} أي لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب هو أهدى من الكتابين، وجواب الشرط: {فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} أي آراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة بلا حجة، ولا برهان، وقيل: المعنى: فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به، وتعدية {يستجيبوا} باللام هو أحد الجائزين {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ الله} أي لا أحد أضلّ منه، بل هو الفرد الكامل في الضلال {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} لأنفسهم بالكفر وتكذيب الأنبياء والإعراض عن آيات الله.
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول} قرأ الجمهور: {وصلنا} بتشديد الصاد، وقرأ الحسن بتخفيفها، ومعنى الآية: أتبعنا بعضه بعضاً وبعثنا رسولاً بعد رسول.
وقال أبو عبيدة والأخفش: معناه: أتممنا.
وقال ابن عيينة، والسديّ: بينا.
وقال ابن زيد: وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، والأولى أولى، وهو مأخوذ من وصل الحبال بعضها ببعض، ومنه قول الشاعر:
قل لبني مروان ما بال ذمتي *** بحبل ضعيف لا تزال توصل
وقال امرؤ القيس:
يقلب كفيه بخيط موصل ***
والضمير في: {لهم} عائد إلى قريش. وقيل: إلى اليهود. وقيل: للجميع {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فيكون التذكر سبباً لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم. {الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ} أي من قبل القرآن، والموصول مبتدأ، وخبره: {هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} أخبر سبحانه أن طائفة من بني إسرائيل آمنوا بالقرآن كعبد الله بن سلام وسائر من أسلم من أهل الكتاب، وقيل: الضمير في {مِن قَبْلِهِ} يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والأوّل أولى. والضمير في {به} راجع إلى القرآن على القول الأوّل، وإلى محمد على القول الثاني. {وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ} أي وإذا يتلى القرآن عليهم قالوا: صدّقنا به {إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا} أي الحق الذي نعرفه المنزل من ربنا {إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} أي مخلصين لله بالتوحيد، أو مؤمنين بمحمد وبما جاء به لما نعلمه من ذكره في التوراة والإنجيل من التبشير به، وأنه سيبعث آخر الزمان وينزل عليه القرآن، والإشارة بقوله: {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} إلى الموصوفين بتلك الصفات، والباء في {بِمَا صَبَرُواْ} للسببية أي بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمان بالكتاب الأول والكتاب الآخر، وبالنبيّ الأوّل والنبيّ الآخر {وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة} الدرء: الدفع، أي يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن ما يلاقونه من الأذى.
وقيل: يدفعون بالطاعة المعصية. وقيل: بالتوبة، والاستغفار، من الذنوب. وقيل: بشهادة أن لا إله إلاّ الله الشرك {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} أي ينفقون أموالهم في الطاعات وفيما أمر به الشرع.
ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو، فقال: {وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ} تكرّماً وتنزّهاً وتأدّباً بآداب الشرع، ومثله قوله سبحانه: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً} [الفرقان: 72] واللغو هنا هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ولدينهم والاستهزاء بهم {وَقَالُواْ لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم} لا يلحقنا من ضرر كفركم شيء، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء {سلام عَلَيْكُمُ} ليس المراد بهذا السلام سلام التحية؛ ولكن المراد به: سلام المتاركة؛ ومعناه: أمنة لكم منا وسلامة، لا نجاريكم ولا نجاوبكم فيما أنتم فيه. قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال {لاَ نَبْتَغِي الجاهلين} أي لا نطلب صحبتهم.
وقال مقاتل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه.
وقال الكلبي: لا نحبّ دينكم الذي أنتم عليه. {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} من الناس، وليس ذلك إليك {ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاء} هدايته {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} أي القابلين للهداية المستعدّين لها، وهذه الآية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وقد تقدّم ذلك في براءة. قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وقد تقرّر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيدخل في ذلك أبو طالب دخولاً أولياً.
{وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} أي قال مشركو قريش، ومن تابعهم: إن ندخل في دينك يا محمد نتخطف من أرضنا، أي يتخطفنا العرب من أرضنا يعنون مكة ولا طاقة لنا بهم، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة، وتعللاتهم العاطلة، والتخطف في الأصل: هو الانتزاع بسرعة. قرأ الجمهور: {نتخطف} بالجزم جواباً للشرط، وقرأ المنقري بالرفع على الاستئناف. ثم ردّ الله ذلك عليهم ردًّا مصدّراً باستفهام التوبيخ والتقريع فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً} أي ألم نجعل لهم حرماً ذا أمن؟ قال أبو البقاء: عدّاه بنفسه؛ لأنه بمعنى جعل كما صرّح بذلك في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً} [العنكبوت: 67]، ثم وصف هذا الحرم بقوله: {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَئ} أي تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي المختلفة وتحمل إليه. قرأ الجمهور: {يجبى} بالتحتية اعتباراً بتذكير كل شيء ووجود الحائل بين الفعل وبين ثمرات، وأيضاً ليس تأنيث ثمرات بحقيقيّ، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد لما ذكرنا، وقرأ نافع بالفوقية اعتباراً بثمرات. وقرأ الجمهور أيضاً: {ثمرات} بفتحتين، وقرأ: {أبان} بضمتين، جمع ثمر بضمتين، وقرئ بفتح الثاء وسكون الميم {رّزْقاً مّن لَّدُنَّا} منتصب على المصدرية؛ لأن معنى {يجبى}: نرزقهم، ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول له لفعل محذوف، أي نسوقه إليهم رزقاً من لدنا، ويجوز أن ينتصب على الحال، أي رازقين {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لفرط جهلهم ومزيد غفلتهم وعدم تفكرهم في أمر معادهم ورشادهم؛ لكونهم ممن طبع الله على قلبه، وجعل على بصره غشاوة.
وقد أخرج الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} قال: نودوا: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني.
وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً.
وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عنه من وجه آخر بنحوه.
وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، وأبو نصر السجزي في الإبانة، والديلمي عن عمرو بن عبسة قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا}: ما كان النداء، وما كانت الرحمة؟ قال: «كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، ثم وضعه على عرشه، ثم نادى: يا أمة محمد، سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبدي ورسولي صادقاً، أدخلته الجنة».
وأخرج الختلي في الديباج عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً مثله.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن حذيفة في قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} مرفوعاً، قال: «نودوا: يا أمة محمد ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً: «إن الله نادى: يا أمة محمد أجيبوا ربكم»، قال: «فأجابوا وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا: لبيك، أنت ربنا حقاً ونحن عبيدك حقاً، قال: صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقاً، قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلاّ الله دخل الجنة».
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الهالك في الفترة يقول: ربّ لم يأتني كتاب ولا رسول»، ثم قرأ هذه الآية {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {قَالُواْ سِحْرَانِ تظاهرا} إلخ. قال: هم أهل الكتاب {إِنَّا بِكُلّ كافرون} يعني: بالكتابين: التوراة والفرقان.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو القاسم البغوي والباوردي وابن قانع الثلاثة في معاجم الصحابة، والطبراني وابن مردويه بسندٍ جيد عن رفاعة القرظي قال: نزلت: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} إلى قوله: {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} في عشرة رهط أنا أحدهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} قال: يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بالكتاب الأوّل والآخر، ورجل كانت له أمة، فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوّجها، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه، ونصح لسيده».
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المسيب ومسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن قوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب لما امتنع من الإسلام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس: أن ناساً من قريش قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن نتبعك يتخطفنا الناس، فنزلت: {وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَئ} قال: ثمرات الأرض.


قوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} أي من أهل قرية كانوا في خفض عيش ودعة ورخاء، فوقع منهم البطر، فأهلكوا. قال الزجاج: البطر الطغيان عند النعمة. قال عطاء: عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام. قال الزجاج، والمازني: معنى {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}: بطرت في معيشتها، فلما حذفت {في} تعدّى الفعل كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155].
وقال الفراء: هو منصوب على التفسير كما تقول: أبطرك مالك وبطرته، ونظيره عنده قوله تعالى: {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] ونصب المعارف على التمييز غير جائز عند البصريين؛ لأن معنى التفسير: أن تكون النكرة دالة على الجنس. وقيل: إن معيشتها منصوبة ببطرت على تضمينه معنى: جهلت {فَتِلْكَ مساكنهم لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً} أي لم يسكنها أحد بعدهم إلاّ زمناً قليلاً، كالذي يمرّ بها مسافراً فإنه يلبث فيها يوماً أو بعض يوم، أو لم يبق من يسكنها فيها إلاّ أياماً قليلة لشؤم ما وقع فيها من معاصيهم. وقيل: إن الاستثناء يرجع إلى المساكن، أي لم تسكن بعد هلاك أهلها إلاّ قليلاً من المساكن، وأكثرها خراب، كذا قال الفراء، وهو قول ضعيف {وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} منهم لأنهم لم يتركوا وارثاً يرث منازلهم وأموالهم، ومحلّ جملة: {لَمْ تُسْكَن} الرفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ فِي أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي وما صحّ، ولا استقام أن يكون الله مهلك القرى الكافرة، أي الكافر أهلها حتى يبعث في أمها رسولاً ينذرهم، ويتلوا عليهم آيات الله الناطقة بما أوجبه الله عليهم، وما أعدّه من الثواب للمطيع والعقاب للعاصي، ومعنى {أُمّهَا}: أكبرها وأعظمها، وخص الأعظم منها بالبعثة إليها؛ لأن فيها أشراف القوم، وأهل الفهم والرأي، وفيها الملوك والأكابر، فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى.
وقال الحسن: أمّ القرى أوّلها. وقيل: المراد بأمّ القرى هنا: مكة، كما في قوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] الآية، وقد تقدّم بيان ما تضمنته هذه الآية في آخر سورة يوسف، وجملة: {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} في محل نصب على الحال، أي تالياً عليهم ومخبراً لهم أن العذاب سينزل بهم إن لم يؤمنوا {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد أن نبعث إلى أمها رسولاً يدعوهم إلى الحق إلاّ حال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم، وتأكيد الحجة عليهم كما في قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].
ثم قال سبحانه: {وَمَا أُوتِيتُم مّن شَيْء فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} الخطاب لكفار مكة، أي وما أعطيتم من شيء من الأشياء فهو متاع الحياة الدنيا تتمتعون به مدّة حياتكم أو بعض حياتكم ثم تزولون عنه، أو يزول عنكم، وعلى كل حال فذلك إلى فناء، وانقضاء {وَمَا عِندَ الله} من ثوابه وجزائه {خَيْرٌ} من ذلك الزائل الفاني؛ لأنه لذّة خالصة عن شوب الكدر {وأبقى} لأنه يدوم أبداً، وهذا ينقضي بسرعة {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن الباقي أفضل من الفاني، وما فيه لذّة خالصة غير مشوبة أفضل من اللذات المشوبة بالكدر المنغصة بعوارض البدن والقلب، وقرئ بنصب: {متاع} على المصدرية، أي: فتمتعون متاع الحياة، قرأ أبو عمرو: {يعقلون} بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب وقراءتهم أرجح لقوله: {وَمَا أُوتِيتُم}.
{أَفَمَن وعدناه وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ} أي وعدناه بالجنة، وما فيها من النعم التي لا تحصى فهو لاقيه، أي مدركه لا محالة فإن الله لا يخلف الميعاد {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا} فأعطي منها بعض ما أراد مع سرعة زواله، وتنغيصه {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} هذا معطوف على قوله: {مَّتَّعْنَاهُ} داخل معه في حيز الصلة مؤكد لإنكار التشابه، ومقرّر له، والمعنى: ثم هذا الذي متعناه هو يوم القيامة من المحضرين النار، وتخصيص المحضرين بالذين أحضروا للعذاب اقتضاه المقام، والاستفهام للإنكار، أي ليس حالهما سواء، فإن الموعود بالجنة لا بدّ أن يظفر بما وعد به مع أنه لا يفوته نصيبه من الدنيا، وهذا حال المؤمن. وأما حال الكافر فإنه لم يكن معه إلاّ مجرّد التمتيع بشيء من الدنيا يستوي فيه هو والمؤمن، وينال كل واحد منهما حظه منه، وهو صائر إلى النار، فهل يستويان؟ قرأ الجمهور: {ثم هو} بضم الهاء، وقرأ الكسائي وقالون بسكون الهاء إجراء ل {ثم} مجرى الواو، والفاء.
وانتصاب {يوم} في قوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} بالعطف على يوم القيامة، أو بإضمار اذكر، أي يوم ينادي الله سبحانه هؤلاء المشركين {فَيَقُولُ} لهم: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم، ومفعولا يزعمون محذوفان، أي تزعمونهم شركائي لدلالة الكلام عليهما {قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي حقت عليهم كلمة العذاب، وهم رؤساء الضلال الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله، كذا قال الكلبي.
وقال قتادة: هم الشياطين {رَبَّنَا هَؤُلاء الذين أَغْوَيْنَا} أي دعوناهم إلى الغواية يعنون الأتباع {أغويناهم كَمَا غَوَيْنَا} أي أضللناهم كما ضللنا {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} منهم، والمعنى: أن رؤساء الضلال، أو الشياطين تبرّؤوا ممن أطاعهم. قال الزجاج: برئ بعضهم من بعض، وصاروا أعداء كما قال الله تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف: 67]، و{هؤلاء} مبتدأ، {والذين أغوينا} صفته، والعائد محذوف، أي أغويناهم، والخبر: {أغويناهم}، و{كما غوينا} نعت مصدر محذوف. وقيل: إن خبر هؤلاء هو الذين أغوينا، وأما {أغويناهم كما غوينا} فكلام مستأنف لتقرير ما قبله، ورجح هذا أبو عليّ الفارسي، واعترض الوجه الأوّل، وردّ اعتراضه أبو البقاء. {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} وإنما كانوا يعبدون أهواءهم. وقيل: إن {ما} في {ما كانوا} مصدرية، أي تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا، والأول أولى.
{وَقِيلَ ادعوا شُرَكَاءكُمْ} أي قيل للكفار من بني آدم هذا القول، والمعنى: استغيثوا بآلهتكم التي كنتم تعبدونهم من دون الله في الدنيا لينصروكم ويدفعوا عنكم {فَدَعَوْهُمْ} عند ذلك {فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} ولا نفعوهم بوجه من وجوه النفع {وَرَأَوُاْ العذاب} أي التابع والمتبوع قد غشيهم {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} قال الزجاج: جواب لو محذوف، والمعنى: لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم ذلك، ولم يروا العذاب. وقيل: المعنى: لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم: وقيل: المعنى: لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لعلموا أن العذاب حق. وقيل: المعنى: لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب. وقيل: قد آن لهم أن يهتدوا لو كانوا يهتدون. وقيل: غير ذلك. والأوّل أولى، ويوم في قوله: {وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين} معطوف على ما قبله، أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء يَوْمَئِذٍ} أي خفيت عليهم الحجج حتى صاروا كالعمي الذين لا يهتدون، والأصل فعموا عن الأنباء، ولكنه عكس الكلام للمبالغة، والأنباء الأخبار، وإنما سمى حججهم أخباراً؛ لأنها لم تكن من الحجة في شيء، وإنما هي أقاصيص، وحكايات {فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ} لا يسأل بعضهم بعضاً، ولا ينطقون بحجة ولا يدرون بما يجيبون، لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر، ولا حجة يوم القيامة. قرأ الجمهور: {عميت} بفتح العين، وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم. {فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صالحا فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} أن تاب من الشرك وصدّق بما جاء به الرسل، وأدّى الفرائض واجتنب المعاصي فعسى أن يكون من المفلحين، أي الفائزين بمطالبهم من سعادة الدارين، وعسى وإن كانت في الأصل للرجاء فهو من الله واجب على ما هو عادة الكرام. وقيل: إن الترجي هو من التائب المذكور لا من جهة الله سبحانه.
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء} أي يخلقه {وَيَخْتَارُ} ما يشاء أن يختاره. {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23] وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم، واختاروهم أي الاختيار إلى الله {مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي التخير، وقيل: المراد من الآية: أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار، بل الاختيار هو إلى الله عزّ وجلّ.
وقيل: إن هذه الآية جواب عن قولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وقيل: هذه الآية جواب عن اليهود حيث قالوا: لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به.
قال الزجاج: الوقف على {ويختار} تام على أن {ما} نافية. قال: ويجوز أن تكون {ما} في موضع نصب ب {يختار}، والمعنى: ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة. والصحيح الأوّل لإجماعهم على الوقف.
وقال ابن جرير: إن تقدير الآية: ويختار لولايته الخيرة من خلقه، وهذا في غاية من الضعف. وجوّز ابن عطية أن تكون {كان} تامة، ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة. وهذا أيضاً بعيد جداً. وقيل: إن {ما} مصدرية، أي: يختار اختيارهم، والمصدر واقع موقع المفعول به، أي ويختار مختارهم، وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير، والراجح أوّل هذه التفاسير، ومثله قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة} [الأحزاب: 36] والخيرة: التخير كالطيرة فإنها التطير، اسمان يستعملان استعمال المصدر، ثم نزّه سبحانه نفسه، فقال: {سبحان الله} أي تنزّه تنزّهاً خاصاً به من غير أن ينازعه منازع، ويشاركه مشارك {وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي عن الذين يجعلونهم شركاء له، أو عن إشراكهم.
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} أي تخفيه من الشرك، أو من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من جميع ما يخفونه مما يخالف الحق {وَمَا يُعْلِنُونَ} أي يظهرونه من ذلك. قرأ الجمهور: {تكن} بضم التاء الفوقية وكسر الكاف. وقرأ ابن محيصن وحميد بفتح الفوقية وضم الكاف. ثم تمدح سبحانه وتعالى بالوحدانية والتفرّد باستحقاق الحمد، فقال: {وَهُوَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الحمد فِي الأولى} أي الدنيا {والآخرة} أي الدار الآخرة {وَلَهُ الحكم} يقضي بين عباده بما شاء من غير مشارك {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالبعث، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، لا ترجعون إلى غيره.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} قال: قال الله: لم نهلك قرية بإيمان، ولكنه أهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها، ولو كانت مكة آمنت لم يهلكوا مع من هلك، ولكنهم كذبوا، وظلموا فبذلك هلكوا.
وأخرج مسلم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عزّ وجلّ: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني» الحديث بطوله.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبد بن عبيد بن عمير قال: «يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا، وأعطش ما كانوا، وأعرى ما كانوا، فمن أطعم لله عزّ وجلّ أطعمه الله، ومن كسا لله عزّ وجلّ كساه الله، ومن سقى لله عزّ وجلّ سقاه الله، ومن كان في رضا الله كان الله على رضاه».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء} قال: الحجج {فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ} قال: بالأنساب.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح تعليم الاستخارة وكيفية صلاتها ودعائها، فلا نطول بذكره.

1 | 2 | 3